تعلمنا منذ الصغر أن من يريد النجاح يجب أن يضع أهداف ثم يسعى لتحقيقها, وتعلمنا أنه لتحقيق الأهداف يجب أن تكون الأهداف ذكية بحيث تكون محددة ويمكن قياسها وقابلة للتحقيق ومرتبطة بالنتيجة ومحدد بوقت معين. هذا الفهم والتطبيق أستمر معي لسنوات طويلة خلال فترة دراستي وعملي في الماضي. حقيقة لم تكن العملية سهلة وغالبا ما كان الفشل مرافق للعديد من الأهداف التي وضعتها. وفي الواقع عندما يتعلق الموضوع بتحقيق النتائج فهناك طريقة أفضل وأكثر فاعلية من مجرد وضع الأهداف ألا وهي فهم النظام والتركيز على تطبيقه. فما هو النظام وما الفرق بينه وبين الهدف؟ النظام عبارة عن طريقة العمل أو الروتين الذي يجب اتباعه لتحقيق النتيجة المرغوبة, أما الهدف فهو النتيجة ذاتها التي تريد تحقيقها. النجاح في فهم وتطبيق النظام يضمن الوصول للهدف المطلوب والعكس صحيح فالفشل في فهم وتطبيق النظام يؤدي إلى فشل الوصول للهدف. التركيز على النظام هو تركيز على العمل أما التركيز على الهدف فهو مجرد رغبة في تحقيق النتيجة النهائية, وهناك فرق كبير بين شخص يعمل لتحقيق النتيجة وبين شخص يحلم لتحقيق النتيجة دون عمل. فهم النظام يؤدي لفهم المتغيرات التي تؤثر على النتيجة وبالتالي العمل بفاعلية أكبر وكفاءة أفضل لتحقيق الهدف, أما التركيز على الهدف فغالبا ما يؤدي إلى العمل بكفاءة وفاعلية أقل وبالتالي الوصول لنتيجة أقل أو تحقيق النتيجة بتكلفة أعلى. إذا“ التركيز على النظام يؤدي إلى الإهتمام بالعمل الذي يحقق النتيجة أكثر من الاهتمام بالنتيجة نفسها, وهذا هو الفرق الجوهري بين النظام والهدف, فالهدف يركز على النتيجة النهائية ولا يهتم بالطريقة ولهذا فإن التركيز على تحقيق الأهداف يصاحبه الكثير من السلبيات التي تؤثر على النتيجة النهائية, وهذا غالبا ما يشكل ضغط نفسي على صاحب الهدف وأثر سلبي على النتيجة. فمثلا الطالب الذي يتبع نظام للمذاكرة بشكل يومي منتظم يحصل على نتيجة متفوقة أخر السنة, في المقابل الطالب الذي لا يتبع نظام للدراسة ويذاكر فقط قبل الأختبار يبذل جهد أكبر ويعيش تحت ضغط كبير لتحقيق نتيجة جيدة عند كل اختبار وقد يصل به الأمر للغش لتحقيق هدف النجاح. الطالب الأول ركز على النظام فحقق هدف التفوق وبجهد قليل لكن منتظم والثاني ركز على النتيجة النهائية فقط (الهدف) وضاعف جهده أخر السنة ولم يحقق نتيجة متفوقه. التركيز على النظام سيغير رؤيتك لكثير من الأمور ويحسن أسلوب حياتك للأفضل ويمكن أن تحقق أفضل النتائج حيث سيكون تفكيرك منصب على الأداء والتطوير المرحلي بثبات والذي سيصل بك الى تحقيق أي هدف في الأخير.
إذا كنت تريد أن تفقد ١٠ كيلو جرامات من وزنك فإن الهدف هو أنقاص١٠ كيلوغرامات, أما النظام فهو تحديد نوع ووقت الأكل الذي تتناوله وجدول يومي للمشي والرياضة. التركيز على الهدف "إنقاص١٠ كيلوجرام" غالبا مايصيبك بالإحباط لأن تفكيرك مربوط بالنتيجة النهائية وقد يدفعك لتناول أقراص منشطة لتسريع حرق الدهون (كنوع من الغش) والتي تأتي مع عوارض جانبية وعند وصولك للهدف بسببها فأنت لا تلبث أن تعود لنفس الوزن مع الوقت لأن تحقيقك للهدف لم يكن بشكل طبيعي. أما تركيزك على النظام بتطبيق الحمية والرياضة بشكل يومي بإنضباط فيساعدك على إنقاص وزنك بطريقة تدريجية وطبيعية تشعر معها بالرضى طوال فترة الحمية والثقة في الوصول للنتيجة التي تريد وقد تحقق أفضل مما تتوقع والأهم من ذلك أنك قد صنعت لنفسك نظام أكل وأسلوب حياة يحافظ على رشاقتك بأستمرار. التركيز على الأهداف قد يكون مناسب في المهمات السهلة وقصيرة المدى, ولكن عند الحديث عن نتائج كبيرة ومهمات معقدة فإن وضع أهداف دون فهم قدرة وإمكانية النظام على تحقيقها يسبب الكثير من المشاكل ويرغم الموظفين على العمل بشكل فردي وخارج أطار النظام لتعويض القصور الموجود فيه. وهذا ما حصل في بنك ويل فارقو الأمريكي الذي فصل ٥٣٠٠ موظف خلال الست سنوات الماضية وغرّم ١٩٠ مليون دولار نتيجة تلاعب موظفيه في فتح أكثر من ٢ مليون حساب وهمي وإصدار بطاقات ائتمانية لعملاء البنك دون إذن منهم. وعند دراسة الأسباب وجد أن إدارة البنك وضعت أهداف مبيعات عالية فوق طاقة نظام العمل وضغطت على الموظفين لتحقيقها عبر التهديد بعدم الترقيات تارة وبالفصل في حالة الفشل المتكرر في تحقيق حصص المبيعات مما أدى لتلاعب الموظفين لتحقيق النتائج المطلوبة منهم. وضع تلك الأهداف من قبل الأدارة العليا وربط تحقيقها بتقييم أداء الموظفين تسبب في خلق بيئة عمل سيئة تضغط وتشجّع الموظفين على تحقيق الأهداف ولو كانت بطرق غير شرعية, وهذا يحدث دائما عندما تركز المؤسسات على الأهداف دون تطوير نظام عمل قادر على تحقيق تلك الأهداف بشكل طبيعي. أخيرا, التركيز على فهم وتطبيق النظام لا يعني عدم وضع الأهداف, فالأهداف مهمة لتحديد الاتجاه ومعرفة حجم العمل المطلوب ولكن من المهم أن تعلم أنه لتحقيق هذه الأهداف فإنك تحتاج إلى التركيز على فهم طريقة العمل مع انضباط واستمرارية في تطوير الأداء وهذا هو النظام.
--
الدكتور محمد حامد العميري
مستشار الإبتكار والجودة وتميز الأداء المؤسسي.
Twitter: @Malomairy
Comments